ميلاد الهوية
للشاعر / محمد عثمان الزبير
القرية تلبس وجه القمر
و تحضن الأشياءَ
في كل مكان فيها حشدٌ
يتوسد صدر الخوف
ويستبق الأنباءَ
يحكي عن شيخ عبر الصحراءَ
سافر فيها أياماً ,
لا يحمل زاداً أو ماءً
يلبس جلد النمرِ
و ينام على جذع أو حجرِ
ويطيل الصمت أمام النهر
ثم يغني أبياتاً من شعر مجهولٍ
أو يشدو حزناً و بكاءً
وأمتد الصوت كجرح يلبس وجه الليلِ
و يحتجز الأرجاءَ
و اخضر الصمتُ
الكل أجاد الإصغاءَ
وتمطى يمشي همس الناس
الشيخ يخاطب نهر النيل
أم يصنع أفكا و هراءً ؟ !
واشتدَّ الخوفُ
و الشيخ يصيح
يناجي عاصفة هوجاءَ
و يحتضن الأشجار ينادي نهر النيل
أعطيني شيئاً للمولود
أعطيني خصباً و بهاء
لكنَّ الصوت تلاشى ضاع هباءً
والشيخ يصيح ,
يتمزق حزناً وبكاءً
حتى سُمِعت صرخاتٌ من طفل مولود
يحمل في الشريان دماً
يحكي عنه اللوح العاشرُ
و كذلك يشهد نهر النيل
تهراقا جدك يا ولدي
يحلم أن تخرج مثله
يخدمك الدهرُ
وتمشي بين يديك الرحمة
تربو بين يديك النعمة
و الشيخ يناجي
يعلو فوق جراح الناس يناجي
و يلاطف ظلَّ الشجر الميت و الغرباءِ
يغني للبسطاءِ
يتحول مقدرة للصدقِ
يتشرنق بين الجرح و بين الحقِ
و يفيض كمثل النهر يفيض
يفيض على الفقراءِ
يتوهج في طربٍ قدسيٍّ
ويركضُ فوق الماءِ
ثم ينادي يا رباه !
أكرم بعطائك طفل النيل
طفل يولد من رحم الدهماءِ
من رحم الجوعى و الفقراءِ
أعطيه سر ملاطفة الأشياءِ
وذاكرة للخير و حب الناس
أعطيه صحواً يمسح أحزان البسطاء
صحواً يتنزل في ليلٍ قدسيٍّ
يتوهج بين الزرع وبين الماءِ
يتفجر بالأفراح وبالآلاء
26/8/1979
Posted in: